الأسباب التي تدعو الناس إلى الجور
ثم نبه إلى ما يدعو الناس إلى الجور، فقال: (( وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ))[النساء:135]، فالاعتبار الأول الذي يدعو الناس إلى الجور: أن يراعي الإنسان قريبه، فإذا طلب منك أن تفاضل بين أبيك أو قريبك وبين أي إنسان آخر؛ فإن النفس تميل إلى ترجيح الأب، أو القريب، أو الصديق.. وهكذا، وهذا شعور قد لا يكون الإنسان مؤاخذاً به لمجرد الشعور نفسه، لكنه يؤاخذ إذا ظلم بناء على هذا الشعور، فأنت تتمنى أن أباك، أو ابنك، أو قريبك، أو زميلك، أو صديقك، أو من تعرف؛ أن يكون هو الأفضل، وتحب ذلك، لكن إذا حكمت فإنك تحكم بالعدل، ولا تنظر إلى هذه القرابة، أو هذا الشعور الداخلي، فإن قادك هذا الشعور إلى أن تفضل المفضول فهذا هو الظلم؛ ولهذا قطع الله هذا الطريق. والاعتبار الآخر: هو الغنى والفقر، (( إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا ))[النساء:135]، فأكثر الناس ينظرون إلى هذه الحالة، وليس الغنى هو بالمال فقط، فقد يكون غنياً بمنصبه، أو بجاهه، أو بنسبه، أو بأي اعتبار آخر من الاعتبارات، والآخر لا يؤبه له، فتميل النفس عادة إلى ترجيح وتفضيل صاحب هذا الأمر الذي له شأن معين عند الناس، والآخر لا يبالى به، ولذلك جاء تصحيح هذا: (( إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا ))[النساء:135]، فلا بد أن تقول العدل، وأن تحكم بالقسط في أي حال، وهذا من أشق ما يمكن على النفوس، وليس كما يظن البعض أنه أمر هين، وفي هذا يتفاضل المؤمنون.